بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أمات وأحيى وإليه المآب والرجعى يعطي ما يشاء لمن يشاء كيف يشاء متى يشاء، لا معقب لحكمه، ولا رادّ لقضائه، ولا مانع لعطائه،ولا ينفع ذا الجد منه الجد، وبعد فقد أصابتنا مصيبة ليست كالمصائب، بلبلت عقولنا، وشتت أفكارنا، وأخرست ألسنتنا، وفجرت دموعنا، مصيبة يبكيها القلب القاسي، وتتزلزل لها الجبال الرواسي، إنه أستاذنا وشيخنا ومربينا وقدوتنا الشيخ محمد باي بلعالم، فقدنا بفقده شيخا عالما ناصحا داعيا مرشدا معلما مدرسا مجاهدا مناضلا مثابرا مسامحا أبا رحيما عطوفا رفيقا حبيبا محبا متواضعا، شيخا تحدى السكري في أعلى ارتفاعه وتحدى الهرم وتحدى التعب، تحدى المخاوف والمخاطر، تحدى ازدحام الأوقات وتراكم الأعمال، تحدى طويل الطرقات وبعيد المسافات، ليقوم بالدعوة والإرشاد والتوجيه، وليعلي كلمة الحق ويصدع بها، معرضا عمن خالفه، يذهب إلى الناس قبل أن يأتوه، ويحبهم قبل أن يحبوه، ويقربهم قبل أن يقربوه، يسامحهم ويجهر لهم أنتم في حلّ وهم يؤذوه، يؤوي طلبة العلم ويطعمهم ويسأل عن أحوالهم ، يغضب لغضبهم ويدافع عنهم، ويفرح لفرحهم، ويهيئ الأجواء لهم، يُعلِّم الناس ويسأل عن أحوالهم،ويتألم لآلامهم، ويسعى في قضاء مصالحهم، يدعوهم إلى الله ويدعو لهم الله، يعين ذا الحاجة ويقف معه، يطعم الضيف ويبش له ويكرمه، يواصل التدريس لا يعرف الملل ولا السأم،رحل في سبيل نشر العلم رحلات عديدة ومتكررة، رافق الحجاج في 37 حجة منها 36 متتابعة متتالية، يوجههم ويرشدهم، ناهيك عن تسهيل جميع إجراءات السفر والإقامة والركوب والنزول والرمي والطواف وشراء الهدايا ونقل الأمتعة ... إلى غير ذلك، أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وحارب المضلين ورد بدعهم، وما وهن لما أصابه وما ضعف وما استكان، لم يمنعه من أداء رسالته حر ولا برد، ولا هرم ولا مرض و لا تعب، لم يضره من عاداه ولا من خالفه ولا من خذله حتى أتاه أمر الله وهو كذلك، حفظ الله فحفظه، نصر دين الله فنصره الله، فآخر يوم له من الدنيا كان في مكتبه مع ضيوف يزودهم بالمعارف والدعاء الصالح والكتب، ثم لما وعك وهو في مكتبه أمر بأخذ الضيوف إلى مكان الغداء وإكرامهم، وودعهم ودعا لهم، ثم استقبل رسول ربه بنفس مؤمنة موقنة مطمئنة، شاب على ما شب عليه ومات على ما شاب عليه ويبعث إن شاء الله على ما مات عليه، غاب وترك أبناء صالحين وطلبة عالمين ومؤلفات تتمثل في كتبه جعلها الله له صدقة جارية لا تنقطع إلى يوم الدين، ذهب وترك فراغا كبيرا في قلوبنا وفي مجالسنا وفي مساجدنا، ترك فراغا في صفوف حجاجنا، وليس من رآه كمن سمعه، ولا من رافقه كمن تخلف بعده، لا تجلس معه وقتا مهما كان قصيرا إلا وسمعت ذكر الله ينساب رطبا من لسانه، لا تجلس معه وقتا مهما كان قصيرا إلا ويزودك بفائدة أو نصيحة، فنسأل الله تعالى أن يتقبل منه ويجعل أعماله مضاعفة عنده ( والله يضاعف لمن يشاء)، يارب إن رسولك صلى الله عليه وسلم يقول في معنى الحديث: (الخلق عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعباد الله)، ويقول: (إن لله عبادا خلقهم لمنافع الناس آلى على نفسه ألا يعذبهم)، ويقول: ( من دعا إلى خير كان له مثل أجر فاعله)، ويقول: (من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة)، ويقول: (عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله..)، اللهم وإنك تقول: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين)، اللهم إننا نسألك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت وإذا سئلت به أعطيت أن تحقق له ذلك وكل ما وعدت به في كتابك أو على لسان رسولك صلى الله عليه وسلم، اللهم يا ربنا يا مولانا نسألك أن تجعله مع الذين قلت فيهم: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا....)، و مع الذين قلت فيهم: (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى...)، و مع الذين قلت فيهم: ( أولئك يجزون الغرفة بما صبروا...)، و مع الذين قلت فيهم ولمن خاف مقام ربه جنتان...)، ومن الذين قلت فيهم: (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين). آمين آمين آمين